في عام 1944 وجّه السياسي الهولندي "جيريت بولكستاين" رسالة من منفاه إلى شعبه القابع تحت الاحتلال طالبًا إياهم تدوين يومياتهم وكتابة معاناتهم لتكون شاهدة على الفظائع التي ترتكبها القوات النازية في البلاد، ومن هنا خرجت للنور تحفة آن فرانك الفنية "مذكرات فتاة صغيرة" التي جسّدت بتعابيرها البسيطة المعاناة التي عاشها معظم أبناء شعبها في تلك الحقبة.
تُعد كتابة اليوميات في زمن الحروب بمثابة نافذة للتعبير عن المخاوف والآلام وتجسيد المعاناة على هيئة كلمات لتصل للعالم بأسره، واليوم في عصر وسائل التواصل الاجتماعي وفضاء الإنترنت المفتوح - طبعًا حسب مزاج أصحاب المنصّات وميولهم السياسة- بات التدوين وسيلة مهمة من وسائل المقاومة الفلسطينية لا سيما بعد احتكار البروباغندا الاسرائيلية وسائل الإعلام الغربية ونقل صورة واحدة مرسومة بإحكام تشيطن المضطهدين وتطبل للمحتل ومجازره.
وعلى الرغم من تضييق معظم المنصات الأجنبية الخناق على المدونين، وتجليّ كذبة حرية احترام الآراء المخالفة، لم تغلق منصّة x أبوابها في وجه المدونين الفلسطينيين -حتى الآن على الأقل- وأتاحت منبرًا لنقل المجازر المروعة التي تحدث في غزة للعالم قاطبة؛ ومن هنا رأينا مجموعة من المغردين الفلسطينيين ينقلون أيامهم بتفاصيلها المريرة، من استعداداتهم للضربات الجوية وكيفية اقتران ازيز الطائرات بنطق الشهادتين في معظم البيوت الغزاوية، إلى رحلة البحث عن ماء وطعام بعدما حرمهم العدو من أبسط حقوقهم الإنسانية، وبطبيعة الحال لن تنتهي المأساة بتفاصيل النزوح القسري جنوبًا والتي لم تخلو من غدر الآلة الحربية الاسرائيلية، كل هذه كانت شواهد تاريخية تدحض كل الادعاءات الصهيونية وتعرّي مفهوم الإنسانية العالمية ومعاييره المزودجة.
سيظلّ التدوين وسيلة لا يستهان بها لنقل
الصوت الفلسطيني في خضمّ التعتيم العالمي؛ فحتى إن لم يصل صوتهم اليوم، وحتى إن حاول
الأعداء طمسه، ستبقى كل هذه الشواهد بمثابة شوكة في حلق آلة التزوير الصهيوني
ووثيقة تاريخية تتناقلها الأجيال.
تعليقات
إرسال تعليق